الإمام المفسر أبو حيان الأندلسي
قال الإمام أبو حيّان الأندلسي في كتابه (التفسير الكبير المسمّى بالبحر المحيط) وفي ذيله أيضاً المسمّى (النهر المادّ) الجزء: 3 صـفحة: 448 ، في تفسير سورة المائدة عند قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }: ((و مِنْ بعضِ اعتقادِ النصارى استنبطَ مَنْ تستّر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حُلولَ الله تعالى في الصور الجميلة ، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة ، كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض ، وأتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذه التستري وابن المطرّف المقيم بمرسية والصفّار المقتول بغرناطة وابن لباج وابن الحسن المقيم بلوزقة ، وممن رأيناه يُرمى بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كثيرة ، وابن عيّاش المالقي الأسود القطيع المقيم بدمشق ، وعبد الواحد بن المؤخر المقيم بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة من ديار مصر وأبو يعقوب بن مبشّر تلميذ التستري المقيم بحارة زويلة بالقاهرة ، والشريف عبد العزيز المنوني وتلميذه عبد الغفّار القوصي ؛ وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله ، يعلم الله ذلك ، وشفقة على ضعفاء المسلمين ليحذروهم فهم شرٌّ من الفلاسفة الذين يكذّبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم ، وينكرون البعث ؛ وقد أُولِعَ جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء ، وادّعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والردّ على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين)). ا.هـ
وقال أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط: 4ـ145) عند تفسير قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} : ((ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات و الاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم معهم في الجنة يخبرون على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد هذا مع خلوهم من العلوم يوهمون أنهم يعلمن الغيب. !!!!!)).
وقال في (2ـ93): ((فلو عاش قتادة إلى هذا العصر وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و التجري على الإخبار الكاذب عن المغيبات لقضي من ذلك العجب)).
وقال رحمه الله تعالى في تفسير سورة "الأعراف": ((وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ ، يلبسون ثياب شهرة عند العامة بالصلاح ، ويتركون الاكتساب ، ويرتبون أذكاراً لم ترد في الشريعة ، يجهرون بها في المساجد ، ويجمعون لهم خدّاماً يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم ، ونتش أموالهم ، ويذيعون عنهم كرامات ، ويرون الوصول إلى الله تعالى بأمور يقررونها في خلوات ، وأذكارٍ لم يأت بها كتاب منـزل ، ولا نبي مرسل ، ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ، ونصب أيديهم للتقبيل ، وقلة الكلام ، وإطراق الرؤوس ، وتعيين خادم يقول: الشيخ مشغول في الخلوة . ورسم الشيخ. قال الشيخ . الشيخ له نظر إليك . الشيخ كان البارحة يذكرك . إلى نحو هذه الألفاظ التي يحشدون العامة ، ويجلبون بها عقول الجهلة ، هذا إن سلم الشيخ من الاعتقاد الذي غلب على متصوفة هذا الزمان: من الحلول ، والقول بوحدة الوجود ، فإذ ذاك: يكون منسلخاً عن شريعة الإسلام بالكلية ، والعجب لمثل هؤلاء كيف ترتب لهم الرواتب ، وتبنى لهم الرُّبط ، وتوقف عليهم الأوقاف ، وتخدمهم الناس مع عدولهم عن سائر الفضائل)).