العلامة صالح بن المهدي المقبلي
يقول العلامة صالح بن المهدي المقبلي اليمني ، في كتابه العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ:
(واعلم أن من أشد الخلاف ظلالا وأعمه بلاء وأدقه ممسكا وأكثره هلكه ومعتركا ،أنه تزهد جماعة من الصحابة –رضي الله عنهم – برفض الدنيا فقط تابعين لنصيحة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،مع كونهم من آحاد عصابة المسلمين وماتوا طيبين ،ثم نشأ بعدهم زهاد كذلك لكنهم قالوا :لا سلامة إلا بالعزلة عن الناس ،هربا من الفتن وصيانة للقلوب من العوارض ،ومضوا لسبيلهم ،وقد صوروا صورة العزلة وليست مطلق العزلة وليست مطلق العزلة ببدعة إن لم تشابه الرهبانية المنهي عنها ،ولكن ماجاوز حده جانس ضده ،ثم صار مسلكا متميزا ،حتى قيل :صوفيه ،وصار اسم مدح قد تقصده بعض النفوس ،ثم أثارت لهم تلك الخلوات مواعظ وكلمات أسرع في جذب القلوب من خطاطيف الحديد ،ثم اخترعت طرائق السلوك ،واصطلحت اصطلاحات ،وابتدعت رموزا وإشارات ،ثم قالوا :هاهنا شريعة وطريقة ،ورسوم وحقيقة ،وتفسير وتأويل ،وظاهر وباطن ،ثم ترأس قوم في هذا المعنى وابتلوا بحظ في الوعظ شهرهم
ثم ظهر منهم كلمات ودعاوى قال قائلهم:
خضت بحرا وقف الأنبياء بساحله.
أسرجت وألجمت.
وطفت في أقطار البسيطة ثم ناديت ،هل من مبارز؟! فلم يخرج إلي أحد.
رجلي على رقبة كل ولي.
لو تحركت نملة سوداء فوق صخرة صماء في ليلة ظلماء في أقصى الصين ،ولم أسمعها لقلت: إني مخدوع.
ما الجنة هل هي إلا لعبة صبيان ؟
سبحاني.
إلى طامات لا تحصى ،الأخرى أكبر من الأولى ،يزداد الهول في كل قرن إلى أن انتهى الشأن إلى ابن الفارض وابن سبعين وأضرا بهم لم يقنعوا بتلك الدعاوى الشنيعة
ولا ساغ لهم احترام الشريعة وهذه كتبهم (الفتوحات) و(الإنسان الكامل ) و(الفصوص ) وأشعار ابن الفارض التائية والخمريات وغير ذلك ) 456
ثم يقول –رحمه الله-:
(وهب أنك رجل حسن الظن بهم أو تظن أنك متورع ،زن حال هؤلاء بميزان الصحابة –رضي الله عنهم- فما وجدته من أخلاق الصحابة فأبقه عليهم ،وما لم يكن من أخلاقهم فاعلم أنه ظلالة إن كنت قد استيقنت اصابة الصحابة ،وإلا فقد زللت بأول قدم وجف في شقاوتك القلم )457
ثم يقول -رحمه الله-: (ولما من الله علينا بالمجاورة في مكة المشرفة وجدنا الأمر فيها هو شطر الدين ،بل هو الدين كله ،فإنك إنما ترى وتسمع الرقص والتغريد بالأصوات في الصوامع وجوانب المسجد ،وأما رباط عبد القادر ومشهد العيدروس واجتماع الإخوان فأمر عجيب ،ولقد مكثت مدة أظن أن الذي أسمع في هذه المواطن لهو لكثر اللهو وعمومه للأحوال والأشخاص حلاله وحرامه عند علمائهم وجهالهم ،فصبيانهم في العقل مثل شيوخهم حتى نبهتني بعض الجواري وقالوا ما تفرق بين الذكر واللعب
وذلك أنهم يسيرون مع أنا مخصوصين من بيوت الصوفية من ذوي الرياسة جماعة جماعة بالطار والغناء في المسجد الحرام إلى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المولد الذي جعله عيداأعم من البدع فشوا ،وكان الصحابة –رضي الله عنهم- أشد فرحا بما من ألله عليهم من وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم،ولم يجعلوا ذلك عيدا لأنه لم يشرعه لهم وهم واقفون على الحد ) 468
باختصار يسير من كتاب العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ.